ً بقلم \ الكاتب و المفكر خالد محمود عبد اللطيف رئيس تحرير جريدة الأمة العربية ورئيس اتحاد الوطن العربي الدولي
لقد اهتم علماؤنا الأفذاذ باللغة العربية أيما اهتمام وبالغوا بها، فكانت لهم أسفار ومؤلفات ثرة ملأت الأرض. حيث تناولت مختلف الفروع المتعلقة بها، وإن دل ذلك على شيء فإنما يدل على حبهم البالغ لهذه اللغة، ومن هذا الباب أصبح تعلم اللغة العربية بكافة فروعها من الدين، وكلما ازداد المسلم علماً بالعربية ازداد تقرباً إلى الله عز وجل. فقد جاءت فتاوى العلماء باعتبار تعلمها فريضة من فرائض الدين، وأن الصلاة لا تصح إلاَّ بها، وأن بقية العلوم الشرعية لا تفهم ولا تدرك إلاَّ بتعلمها، لهذا نجد أن القراءات القرآنية لا تكون صحيحة إلاَّ إذا وافقت شروطاً ثلاثة، وكان أحدها أن توافق القراءة وجهاً من وجوه العربية، فإن لم توافق فهي قراءة شاذة لا يتعبد بها[1]. قال الإمام الشافعي رحمه الله: (فعلى كل مسلم أن يتعلم من لسان العرب ما بلغه جهده، حتى يشهد به أن لا إله إلاَّ الله وأن محمداً عبده ورسوله، ويتلو به كتاب الله، وينطق بالذكر فيما افترض عليه من التكبير، وأمر به من التسبيح، والتشهد وغير ذلك، وما ازداد من العلم باللسان الذي جعله الله لسان من ختم به نبوته وأنزل به آخر كتبه كان خيراً له)[2]. وهذا شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يرى هو الآخر أن تعلم العربية من الفروض الواجبة فيقول: (وأيضاً فإن نفس اللغة العربية من الدين، ومعرفتها فرض واجب، فإن فهم الكتاب والسنة فرض، ولا يفهم إلاَّ بفهم اللغة العربية، وما لا يتم الواجب إلاَّ به فهو واجب)[3]. ويقول الشيخ النعمة: (وبناءً على ما قرره الجهابذة من العلماء، نقول: إن تعلم اللغة العربية فرض واجب على كل مسلم في هذا الوجود، ذلك لأنها لغة الإسلام الرسمية، فيجب على المسلمين في أنحاء الدنيا كلها أن يتعلموها بقدر استطاعتهم، ذلك لأن الإسلام هو الدين الوحيد)[4]. ومن أعجب ما سمعت؛ أن أحد أولياء الأمور دفع ابنه إلى أحد العلماء لينتهل منه علوم اللغة العربية بمختلف فروعها، وكان ذلك عندما أخذت العجمة تطغى على اللسان العربي شيئاً فشيئاً، وكانت عادة هذا العالم أنه يمنح تلميذه الإجازة العلمية بعد خمس سنوات من تلقيه تلك العلوم، ولما انتهى العالم بعد السنوات الخمس من تعليمه إياه طلب التلميذ من شيخه أن يجيزه، لكي يعود إلى بلدته البعيدة، فما كان من الشيخ إلاَّ أن طلب من التلميذ أن يتجول في سوق المدينة، ثم يعود إليه ليسأله سؤالاً واحداً محدداً، فلما عاد بعد أن تجول في طرقات المدينة وأسواقها، قال له الشيخ: ماذا وجدت في السوق يا ولدي؟ قال التلميذ: لم أجد شيئاً، قال الشيخ: إذن أعيد عليك الدرس خمس سنوات أخرى، قال التلميذ متعجباً لماذا يا شيخ؟، فأعاد عليه الدرس خمس سنوات أخرى، وبعد أن انقضت، طلب منه أن يجيزه، فقال: لا أجيزك حتى تتجول في السوق وتعود لأسألك، ذهب التلميذ وعاد، فقال له شيخه: ماذا وجدت يا فتى؟ قال التلميذ: لم أجد شيئاً، قال الشيخ: إذن أعيد عليك الدرس خمس سنوات أخرى، فتذمر التلميذ، ولكن الشيخ أبى عليه إلاَّ ذلك، فأعاد عليه الدرس خمس سنوات، وبعدها قال يا شيخ قد مضت خمس عشرة سنة وأنا بعيد عن أهلي، ولا أعلم ماذا تريد مني تحديداً، قال: اذهب إلى السوق وتجول في أركانه، وعندما تعود فسأسألك نفس السؤال السابق، فإن أجبت فسوف تكون مؤهلاً للإجازة العلمية. فذهب التلميذ وهو يسترجع، وتجول في أركان السوق وتكلم مع الناس وحاورهم، ثم عاد إلى شيخه، فقال له الشيخ: يا فلان ماذا وجدت في السوق؟، قال: يا شيخ وجدت أن العجمة قد طغت على اللسان العربي وبشكل غير مألوف.. قال: الآن أجيزك لكي تكون لهذه الأمة عالماً وتحفظ بلسانك الحرف العربي، ومن أجله كنت أسألك، ومن أجل هذا يجب أن نحوّل العلم إلى عمل. واليوم فإننا نجد أن كثيراً من شباب المسلمين توجه لطلب تعلم اللغة العربية ودراستها ولكافة فروعها، وقد هيئت لذلك المعاهد والكليات، وأن أغلب المناهج اليوم تدرس باللغة العربية في المدارس الابتدائية والثانوية والجامعات، وهذا مما يجعلنا ننظر إلى أن مستقبل هذه الأمة سيكون كسالفها بإذنه تعالى.